البيان التأسيسي
لمشروع النهضة وبناء الدولة السورية ما بعد الاستبداد
المقدمة:
في منعطف تاريخي حاسم، تقف سوريا أمام خيارٍ وجودي: أن تُبعث من ركامها دولةً عادلةً حرّةً سيّدة، أو أن تغرق في التبديد والتفكك والضياع.
لم يعد الوقت وقت رثاء أو ندم، بل وقت فعلٍ تأسيسي، يُعيد بناء المعنى، ويحرر الإنسان من الخوف، والدولة من القهر، والوطن من التبعية.
إن مشروع النهضة وبناء الدولة السورية ما بعد الاستبداد لا يخرج من رحم الامتثال لواقعٍ مفروض، بل من إرادة جمعيّة حيّة قررت ألا تموت، وألا تنتظر خلاصًا يأتي من الخارج أو من بقايا الماضي.
لقد آن لسوريا أن تكتب دستور خلاصها بأيدي أبنائها، وأن تبني دولةً لا تُختزل في طائفة، ولا تُدار بالمراسيم، ولا تتقاسمها الجيوش والميليشيات.
هذا المشروع ليس دعوةً للثأر من الماضي، بل نداءٌ للعقل، وللضمير، وللأمل، كي ننهض بوطنٍ يستحق الحياة، ونمنح أبناءنا وطنًا لا يُباع ولا يُدار كضيعة، بل يُحكم بالعقل، ويُصان بالعدل، ويُبنى على الشراكة والكرامة والحرية.
المفهوم الجوهري:
ليس هذا المشروع مجرد وثيقة إصلاح أو مقترح إدارة انتقال، بل هو رؤية فلسفية–سياسية متكاملة لإعادة تعريف الدولة السورية من الجذر: من سؤال الشرعية إلى وظيفة الأمن، ومن بنية القانون إلى مفهوم السيادة، ومن شكل المؤسسة إلى جوهر العقد الاجتماعي.
هو مشروع لإعادة إنتاج “الكلّ الوطني السوري”، بعيدًا عن هندسات الطوائف، وتقسيمات الجغرافيا، ومشاريع الخارج، وخرافة العسكرة كحارس للوطن.
الغاية الكبرى: استعادة المعنى:
الغاية ليست فقط تفكيك الاستبداد، بل تفكيك الشروط التي جعلت الاستبداد ممكنًا، واستمرّ لعقود.
إننا لا نواجه فقط نظامًا قمعيًا سقط، بل بنية عميقة من الانحطاط: في السياسة، في المعرفة، في القانون، في الوعي، في الاجتماع.
ولذلك، فإن مشروع النهضة يسعى إلى:
استعادة المعنى المهدور للدولة
إعادة تأهيل الإنسان السوري ليكون فاعلًا، لا ضحية أو تابعًا
بناء عقد اجتماعي عادل، لا عقد إذعان
تأسيس سيادة معرفية وأخلاقية قبل السيادة الجغرافية
المنطلق الفلسفي–السياسي
ينطلق المشروع من نقد جذري للبنية السلطوية التي حكمت سوريا منذ الاستقلال، تلك التي غيّبت السياسة، وأفرغت القانون، وحوّلت المجتمع إلى أدوات أمنية أو ضحايا.
كما ينطلق من إيمان بأن سوريا لا تُبنى إلا بعقل جديد: عقل نقدي، مسؤول، غير متورط في ثقافة الخضوع أو في أوهام الهيمنة.
إن هذا المشروع لا ينتج عن رغبة في الحكم، بل عن شعور تاريخي بالواجب تجاه وطن يتآكل، وإنسان تائه، وهوية تتفكك.
منهجية العمل:
يرتكز المشروع على منهج تراكمي تحليلي بنيوي، يجمع بين:
تفكيك البنية العميقة للاستبداد
دراسة مقارنة لتجارب النهضة بعد الانهيارات الكبرى
بناء هندسة مؤسساتية جديدة تضمن التوازن والرقابة والتمثيل
صياغة رؤية متكاملة للعقد الاجتماعي والدستور والعدالة الانتقالية والتنمية.
استشراف الممكن ضمن شروط الواقع السوري المركب.
وكل ذلك ضمن رؤية لا تقف عند التنظير، بل تقدم خططًا تنفيذية واقعية، مرنة، قابلة للتدرج، وذات أدوات عملية واضحة.
الرسالة الأساسية
سوريا لا تحتاج نظامًا جديدًا فحسب، بل تحتاج مشروعًا يُعيد تعريفها كدولة ومعنى.
الرسالة هي أن الدولة ليست جهازًا يُدار، بل قيمة تُبنى، وعقدًا يُصان، وشرعية تُؤسس من الشعب، لا من الدبابة.
ولذلك، فإن مشروع النهضة يؤمن أن:
- لا استقرار دون عدالة
- لا سيادة دون حرية
- لا دولة دون إنسان واعٍ شريكٍ فاعلٍ في القرار والمصير
أهداف المشروع:
- تأسيس دستور جديد نابع من إرادة الشعب ويضمن الحقوق والحريات والمساءلة
- بناء مؤسسات حكم مستقلة وفعالة ترتكز على الكفاءة والمواطنة لا الولاء والمحسوبية
- تحقيق عدالة انتقالية حقيقية تنصف الضحايا وتفكك أدوات القمع البنيوي
- تأمين نموذج تنموي يعيد توزيع الثروة ويضمن الكرامة الاقتصادية للمواطن
- ضمان حياد الدولة تجاه الدين والطائفة والعرق، وبناء دولة لكل السوريين
- تحرير القرار الوطني من الهيمنة الخارجية عبر مشروع سيادي متكامل
نداء النهضة
إلى كل من يحمل همّ سوريا لا همّ سلطتها…
إلى كل من لم يبع ذمته ولا ذاكرته ولا دمه…
إلى من لم يستسلم، رغم الخذلان، والقهر، والتشريد، والتشويه…
ندعوكم إلى الانخراط في مشروع لا يدّعي العصمة، لكنه يملك الإخلاص والعمق، ويطمح لأن يكون نقطة التقاء لكل السوريين الباحثين عن وطن لا مزرعة، ومؤسسة لا عصابة، ودولة لا سلطة فوق الدولة.
ليس هذا المشروع جاهزًا للإملاء، بل مفتوح للتفاعل.
ليس بديلًا عن الشعب، بل أداة لتجميع قواه.
وليس وصفة جاهزة، بل دعوة تأسيسية لميلاد سوريا جديدة:
سوريا الممكنة، العادلة، التي تبدأ من الإنسان، وتستمر به.
اللجنة التحضيرية لمشروع النهضة وبناء الدولة السورية ما بعد الاستبداد
حزيران / يونيو 2025