القسم العاشر – الباب الخامس
الفصل التاسع عشر الاندماج في النظام العالمي
من التبعية إلى الشراكة
إعادة تموضع سوريا كدولة فاعلة عبر نسج علاقات متوازنة ومتعددة مع المنظومات الدولية في السياسة والاقتصاد والمعرفة والتنمية
أولًا: الإشكالية – من العزلة إلى الارتهان
شهدت سوريا خلال العقود الماضية حالتين متناقضتين ومؤذيتين في علاقتها بالنظام العالمي:
عزلة مفتعلة باسم السيادة والممانعة، حرمتها من التكنولوجيا، التنمية، والشراكات المتوازنة.
ارتهان عميق لمراكز نفوذ دولية بعد الحرب، عبر التبعية الأمنية والعسكرية والاقتصادية.
وبين العزلة والتبعية، ضاعت سيادة القرار، وتآكلت الكرامة الوطنية، وتحولت سوريا إلى ساحة نفوذ لا دولة مستقلة.
ثانيًا: التحديات أمام اندماج متوازن في النظام العالمي
ضعف الثقة الدولية بالدولة السورية بعد عقود من الفساد والانتهاكات والغياب المؤسساتي.
انقسام القرار السيادي بين سلطات متنازعة أو مرتهنة.
غياب استراتيجية واضحة للتموضع السوري في المنظومات السياسية والاقتصادية الدولية.
انخفاض مستوى التمثيل، وغياب الكوادر القادرة على التفاوض والتواصل الدولي.
خضوع الاقتصاد الوطني لشروط المانحين دون خطة وطنية سيادية بديلة.
ثالثًا: الرؤية الجديدة – شراكة عالمية قائمة على السيادة والندية
في سوريا النهضة، لا يُنظر إلى النظام العالمي كخصم ولا كوصيّ، بل كمجال مفتوح للشراكة المشروطة بالكرامة والاستقلال والمصالح المتبادلة.
فالاندماج لا يعني الذوبان، ولا العزلة تعني سيادة. المطلوب هو:
تموضع ذكي ومتعدد المحاور، يستثمر في توازنات النظام الدولي.
نسج شراكات حقيقية لا تبعية مشروطة.
تحويل سوريا إلى دولة صديقة لكل من يحترم سيادتها، لا طرفًا تابعًا لأي محور.
رابعًا: خطوات العمل لبناء استراتيجية اندماج شراكي في النظام العالمي
1. صياغة استراتيجية وطنية للعلاقات الدولية والتنموية
تحديد المجالات الأساسية التي تخدم المصالح السورية في العلاقات الدولية: التكنولوجيا – البيئة – التعليم – الاقتصاد – السيادة.
بناء أول “خريطة تموضع دولي” تحدد أولويات سوريا في المنظمات الإقليمية والدولية.
اعتماد التعددية كمنهج: شراكات مع الغرب والشرق، الجنوب العالمي، والفاعلين غير الحكوميين.
2. إعادة تفعيل عضوية سوريا في المنظمات الدولية بشروط تحفظ السيادة
العودة إلى المنظمات الأممية والإقليمية بعد إعادة صياغة التمثيل المؤسسي.
التأكيد على الالتزام بالقانون الدولي وحقوق الإنسان، دون السماح بفرض وصاية سياسية.
اختيار ملفات نوعية تكون مدخلًا لبناء الثقة: البيئة، التعليم، الصحة، إعادة الإعمار، الطاقة.
3. بناء قدرة تفاوضية مستقلة ومهنية
إنشاء هيئة وطنية للتفاوض الدولي تضم خبراء في الاقتصاد، القانون، السياسة، والتنمية.
تدريب جيل جديد من الدبلوماسيين والخبراء على آليات العمل داخل المنظمات الدولية.
بناء قواعد بيانات معرفية داخلية حول علاقات سوريا الخارجية وملفاتها الاستراتيجية.
4. إقامة شراكات وظيفية ثنائية ومتعددة الأطراف
إطلاق شراكات استراتيجية مع دول تتقاطع مصالحها مع مشروع النهضة: في جنوب شرق آسيا، أوروبا الشرقية، أفريقيا، أمريكا اللاتينية.
توقيع اتفاقيات طويلة الأمد مع منظمات التنمية الدولية على أسس وطنية لا إملائية.
تفعيل التعاون مع الشتات السوري لدعم قنوات التواصل والتفاوض والاستثمار الخارجي.
5. تحصين الاندماج العالمي بمنظومة قانون داخلي سيادي
إصدار قوانين تنظم العلاقة مع المانحين وتحظر الإملاء الخارجي.
تأسيس هيئة وطنية للسيادة الاقتصادية والسياسية في مواجهة الشروط المجحفة.
ربط كل شراكة دولية بموافقة مجلس النواب ومشاركة المجتمع المدني.
خامسًا: الخطة التنفيذية المرحلية
- المرحلة الأولى (أشهر 0–12)
إعداد وثيقة استراتيجية الاندماج السيادي في النظام العالمي.
إطلاق مركز دراسات السياسات الخارجية والتنمية الدولية.
البدء بإعادة تفعيل العلاقات مع المنظمات الدولية غير السياسية.
- المرحلة الثانية (سنة 1–3)
توقيع أول دفعة اتفاقيات شراكة تنموية ذات بعد استراتيجي (تعليم، صحة، بيئة، رقمنة).
فتح قنوات تفاوض متعددة مع كتل دولية بديلة (البريكس، نمور آسيا، أفريقيا الصاعدة).
إطلاق مبادرات شراكة معرفية مع مراكز أبحاث ومنظمات أكاديمية عالمية.
- المرحلة الثالثة (ما بعد 3 سنوات)
تقييم شامل لموقع سوريا في النظام العالمي وتحديث الاستراتيجية بناء عليه.
إدماج سوريا في سلاسل التعاون الإقليمي في القطاعات الاستراتيجية.
تأسيس تحالف دولي داعم للمشروع السوري النهضوي من منطلقات تشاركية لا تدخلية.
سادسًا: من سوريا المعزولة إلى سوريا المبادِرة
إن الانفتاح الواعي على العالم لا يُفقد السيادة، بل يحصّنها.
وسوريا، إن امتلكت مشروعًا وطنيًا واضحًا، قادرة على أن تكون شريكًا نوعيًا لا تابعًا، فاعلًا لا تابعًا، ومصدر إلهام لا موضوع إغاثة.
وهذا الاندماج ليس مجاملة سياسية، بل ضرورة وجودية لدولة تسعى إلى تجاوز الانهيار عبر شبكة توازنات ذكية تحفظ استقلالها وتُعزز تأثيرها.