web analytics
القسم السابع – الباب الخامس

الباب الخامس الثقافة والمعرفة والهوية

مقدمة:

(من التجهيل والاختزال إلى بناء الوعي النهضوي الجامع)           

في عمق كل أزمة سياسية أو مؤسساتية، تكمن أزمة أعمق: أزمة وعي.

وإن كان الاستبداد قد دمّر بنى الحكم والعدالة والاقتصاد، فإنه أمعن في تجهيل المجتمع وتفريغ العقل من قدرته على الفهم والتحليل والمساءلة، فزرع الطاعة مكان النقد، والخوف مكان المعرفة، والانتماء الشكلي مكان الهوية الفعلية.

فلم تكن الثقافة في سوريا حرّة، بل مؤطّرة ومراقبة ومصنّعة لخدمة السلطة.
والمعرفة لم تكن وسيلة إنتاج أو نقد أو إبداع، بل أداة ترويج أو تزوير أو صمت.

أما الهوية، فقد اختُزلت بين قومية شعاراتية معزولة عن الواقع، أو طائفية مغلقة تُستخدم للتحشيد، أو هويات ضيقة فُرضت كرد فعل على التهميش والاستبعاد، دون مشروع جامع يعيد تركيب الشخصية السورية على قاعدة الانتماء الحر والواعي.

إن مشروع النهضة لا يمكن أن يُبنى على أنقاض هذا الركام الثقافي، ولا على مؤسسات تقنية بلا وعي مجتمعي، ولا على شعارات سياسية تُرفع فوق فراغ معرفي.

فالتحرر الحقيقي لا يبدأ من صناديق الاقتراع، بل من تحرير العقل، واستعادة المعنى، وتحرير اللغة من التزييف، والمفاهيم من الاختطاف، والمجتمع من ثقافة الاستهلاك والخوف والتهويم.

هذا الباب هو المحور الذي تلتقي فيه الهوية الوطنية، والوعي التاريخي، والمخيال الاجتماعي، والأداة المعرفية، بوصفها ركائز للسيادة الثقافية السورية.

فالهوية ليست جاهزة بل تُبنى، والثقافة ليست ترفًا بل ضرورة سيادية، والمعرفة ليست رفاهية بل أساس لكل عدالة وتخطيط وبناء دولة قابلة للحياة.

سنعيد هنا التفكير في الثقافة لا كقطاع، بل كبنية تأسيسية للفعل العام.
وسنطرح تصورًا جديدًا لدور المعرفة في الإدارة، والتعليم، والإعلام، والإنتاج، والقرار.

وسنواجه سؤال الهوية لا بالهروب أو الإنكار، بل بإعادة تركيبها من التنوع، والانتماء الإنساني، والذاكرة السورية الجامعة.

فلا مشروع نهضة دون وعي جماعي يحمل معناه،
ولا سياسة دون ثقافة تحصّنها من الانحراف،
ولا دولة دون هوية تتجاوز التفكك وتعيد صياغة الرابط بين الإنسان والأرض والتاريخ والمصير.

 

 
القسم السابع - فصول الباب الخامس: الثقافة والمعرفة والهوية