القسم الخامس عشر – الباب الرابع
الباب الرابع إعلان ميثاق النهضة السورية
مقدمة
في مسار كل مشروع نهضوي حقيقي، تأتي لحظة يتوقف فيها السرد، ويُختَزل المعنى، وتُصاغ الرؤية في وثيقة تؤسّس لشرعية جديدة، وتُعلن التزامًا صارمًا أمام الأجيال والتاريخ والضمير.
وهذه اللحظة في مشروعنا هي: إعلان ميثاق النهضة السورية.
الميثاق ليس بيانًا سياسيًا، ولا وثيقة تفاهم بين أطراف، بل نصٌّ تأسيسي أخلاقي وسياسي ومعرفي يُعيد تعريف العلاقة بين الشعب والدولة، ويؤطّر المسار السيادي والنهضوي ضمن مبادئ غير قابلة للمساومة أو التوظيف أو التبديل.
إنه حجر الأساس الدستوري الذي يعلو فوق البرامج، ويستبق القوانين، ويُحرّر الدولة من احتمالات الوقوع في فخ “التقنين السلطوي”، ويمنع عودة الاستبداد باسم الشرعية القانونية أو الضرورة الأمنية أو التفويض الشعبي المطلق.
في التجربة السورية، طالما كُتبت الدساتير لتبرير الحُكم، لا لحماية الناس،
وصيغت الشعارات لخداعهم، لا لتمثيلهم،
وتحوّلت الكلمات إلى أدوات إذلال بدل أن تكون عقودًا للكرامة.
أما في هذا المشروع، فإن الميثاق يُعلن التأسيس على خمسة مرتكزات لا يُسمح بتجاوزها تحت أي ذريعة:
المبادئ العليا التي لا يجوز التنازل عنها – لأنها جوهر الهوية الأخلاقية للدولة.
الالتزامات السيادية التي تُقدِّمها الدولة للمجتمع – بوصفها عهداً لا منّة.
إعادة تعريف العلاقة بين الشعب والدولة – على قاعدة التعاقد السيادي والمساءلة المستمرة.
معايير الاستدامة النهضوية – لضمان عدم تحوّل المشروع إلى سلطة جديدة تستنسخ القديم.
ربط الشرعية بالإنجاز لا بالخطاب – فلا استمرار بلا مراجعة، ولا حكم بلا نتيجة.
الميثاق لا يخضع للتصويت، لأنه لا ينبثق من إرادة أغلبية، بل من إرادة المعنى، ومن إجماع الضمير الجمعي على أن الكرامة لا تُستفتى، والحرية لا تُؤجَّل، والسيادة لا تُفَوَّض دون قيد.
إنه عهدٌ تُعلنه الدولة للشعب، وتُعلنه الجماعة الوطنية لنفسها،
ليكون هو السقف، وهو البوصلة، وهو آخر ما يُمسّ حين تختلف المصالح وتضطرب الظروف.
في الفصول التالية، نُقدّم هذا الميثاق بندًا بندًا، لا بوصفه نصًا بل كإعلان حياة جديدة، تُؤسَّس على جراح الماضي، وتُصاغ بوعي التاريخ، وتُكتب بلغة المستقبل.