القسم الرابع عشر – الباب الأول
الباب الأول المتابعة المؤسسية والرقابة العامة
( يركز على الأدوات المؤسساتية والمجتمعية لمتابعة التنفيذ)
مقدمة
في لحظة بدء التنفيذ، تُصبح الدولة أمام امتحان جديد لا يقل أهمية عن التأسيس: امتحان الاستمرار بفعالية. ذلك أن البرامج والخطط، مهما كانت محكمة في نصوصها، قد تفقد فعاليتها إن لم تُرفق بآليات متابعة دقيقة، ورقابة حقيقية، ومحاسبة شفافة تُعيد تصويب المسار كلما انحرف أو تراخى.
يأتي هذا الباب ليضع البنية الأولى لنظام رقابي متكامل، يجمع بين الرقابة الرسمية عبر المؤسسات، وبين الرقابة المجتمعية النابعة من يقظة المجتمع وتفاعله. إذ لا تستقيم الدولة السيادية دون مؤسسات قادرة على متابعة الإنجاز، وضبط الأداء، وتقييم النتائج بصورة دورية تُغني السياسات وتُرشد القرارات.
وقد أدّت النماذج السلطوية التي حكمت سوريا سابقًا إلى تغييب شبه تام لهذه الرقابة، إذ صودرت أدوات المتابعة، وأُفرغت المؤسسات من وظائفها التقييمية، وسُحقت الرقابة الشعبية تحت مقصلة التخوين والتخويف. ولذلك فإن إعادة بناء آليات المتابعة والرقابة يُعدّ خطوة بنيوية جوهرية في التحول من دولة السلطة إلى دولة القانون والمساءلة.
ولا يقف هذا الباب عند السلطة التنفيذية فقط، بل يُعيد تفعيل وتحرير الرقابة التشريعية والقضائية، ويؤسس لتوازن فعلي بين السلطات، ويمنح المواطن – عبر الرقابة المجتمعية – دورًا مركزيًا في حماية الإنجاز ومنع الانحراف، ليصبح شريكًا لا متفرجًا، وفاعلًا لا تابعًا.
بهذا التوازن، تبدأ البنية الرقابية في ممارسة دورها ضمن مشروع النهضة: لا كقوة تعويق، بل كقوة تصويب وتدقيق، تضمن ألّا تتحول السلطة إلى امتياز، وألّا يصبح القرار العام رهينة لغياب المحاسبة.