web analytics
القسم السابع – الباب الثالث

الباب الثالث العدالة والسيادة القانونية

مقدمة:

(من تسييس القانون إلى استعادة معناه كضامن للحق لا كأداة سلطة)           

في التجربة السورية، لم يكن القانون أداة لتنظيم الحياة، بل وسيلة لإخضاعها.

لم تُبنَ العدالة كضمان للحقوق، بل كغطاء للهيمنة، واستخدم النظام البنية القانونية والقضائية لا لحماية المجتمع، بل لإنتاج طاعة معمّمة، وتجريم المعارض، وتكريس الانقسام بين من هم “داخل الشرعية” و”خارجها”، في استعادة شبه كاملة لوظيفة القانون في الأنظمة الشمولية، حيث تتماهى النصوص مع السلطة، وتُصاغ العدالة على قياس الحاكم لا الإنسان.

وما هو أعمق من ذلك أن القانون لم يكن يُحترم حتى حين يُطَبّق، لأنه لم يكن في جوهره نابعًا من عقد اجتماعي قائم على الإرادة العامة، بل مفروضًا من سلطة فوقية، تُعدّله أو تلغيه متى شاءت، وتستخدمه في آنٍ واحد للقمع والإفلات، للتبرير والتهديد، للحكم والسيطرة.

ومع تفكك النظام، لم تستعد العدالة دورها، بل تشرذمت أكثر:
ظهرت سلطات موازية، ومحاكم استثنائية، وهيئات شرعية متنافرة، وقضاء عاجز أو مُسيّس،
وتحوّلت العدالة من مطلب إلى وهم، ومن قيمة مشتركة إلى مادة صراع،
وصار السوري يخرج من ظلم “القانون السلطوي” ليقع في فوضى “اللا قانون”،
دون أن يجد سلطة قضائية مستقلة، أو مرجعية قانونية جامعة، أو ضمانة لأي حق أساسي من حقوقه.

في هذا الباب من مشروع النهضة، نُعيد بناء العدالة بوصفها جوهر السيادة، لا ملحقًا تقنيًا في الدولة.

فالسيادة لا تُقاس فقط بامتلاك الأرض والسلاح، بل بامتلاك القدرة على حماية الحقوق، وحسم النزاعات، ومنع الظلم، ومساءلة الحاكم كما المواطن، باسم قانون لا يُستثني منه أحد.

ومن هنا، تصبح السلطة القضائية ليست قطاعًا إداريًا، بل أحد أركان التوازن الوطني،

وتُبنى القوانين لا كتجميع للنصوص، بل كترجمة للعقد الاجتماعي، وتجسيد للعدالة في بعدها الأخلاقي والعملي.
ويُعاد تصميم النظام القضائي بوصفه سلطة مستقلة فعليًا، لا ملحقة تشريفيًا،

تمتلك وسائلها، وآلياتها، وتحظى بثقة المجتمع، وتعمل كضمان دائم لتقييد السلطة نفسها، لا فقط لحماية المواطن من سلوك الأفراد.

الغاية هنا ليست فقط إصلاح القضاء، بل استعادة مفهوم الدولة القانونية ذاته، كشرط لأي سيادة حقيقية، وأي شرعية دائمة، وأي عقد وطني عادل.

فلا دولة دون عدالة،
ولا عدالة دون استقلال،
ولا استقلال دون قانونٍ يصنعه الناس، وتخضع له الدولة، وتُراجع آلياته بوعي، لا بهواجس سلطة.

 

 
القسم السابع - فصول الباب الثالث: العدالة والسيادة القانونية