القسم التاسع – الباب الأول
الباب الأول السيادة السياسية والهوية الجامعة
من السيطرة إلى المعنى
مقدمة
إن نقطة البدء في أي مشروع نهضة حقيقي ليست البنى الإدارية، ولا الخطط القطاعية، ولا حتى الموارد والقدرات، بل المعنى السيادي الذي تقوم عليه الدولة، والمكانة التي يحتلها المواطن في صُلب المعادلة السياسية.
فالسيادة، بمعناها الجوهري، لا تعني فقط حماية الحدود أو رفض التدخل، بل تعني أن يكون الإنسان هو مالك القرار، وشريك المصير، وصانع الرؤية.
لقد سقطت سوريا القديمة لأنها افتقدت هذا المعنى.
فالدولة لم تكن تعبيرًا عن المجتمع، بل قيدًا عليه.
والسياسة لم تكن ساحة تفاوض وتمثيل، بل أداة ضبط وهيمنة.
والهوية الوطنية لم تُبنَ من التعدد، بل صيغت على مقاس الولاء، حتى باتت خالية من الانتماء الفعلي.
وفي هذا السياق، كان لا بد أن تنفجر الهوامش، وتتفكك البنية، وتفقد السلطة شرعيتها، وتتحول السيادة إلى شعار فارغ يتستّر على تبعية كاملة للخارج، وتغوّل مريع في الداخل.
إن هذا الباب لا يعيد فقط الاعتبار لمفاهيم كبرى تمّ تشويهها، بل يعيد تأسيس السيادة السياسية السورية من الجذر:
– من الهوية لا من الشعار،
– من المواطن لا من الحاكم،
– من الإرادة الجماعية لا من سلطة الغلبة،
– ومن الاستقلال الواقعي لا من الشعارات المؤدلجة.
ولهذا، تتوزع فصول هذا الباب على أربع لبنات تأسيسية:
بناء هوية وطنية جامعة لا فوقية.
تمكين المواطن بوصفه شريكًا سياديًا لا تابعًا.
إعادة ضبط بوصلة السياسة الخارجية من التبعية إلى التوازن.
تثبيت مبدأ الشرعية بوصفه رضا شعبيًا لا احتكارًا سلطويًا.
كل فصل من هذه الفصول لا يقدّم رؤية تجريدية، بل يُسائل التاريخ السوري ويقترح أدوات الخروج منه، ليُبنى المعنى السيادي على أساس الوعي والمشاركة لا على الورق والدعاية.
وكل فكرة تُطرح هنا هي محاولة لاجتراح بداية حقيقية للدولة: لا كسلطة، بل كعقد حيٍّ بين الإنسان والوطن.