web analytics
القسم السابع – الباب الرابع

الباب الرابع البنية المجتمعية والمدنية

مقدمة:

(من التفكك المجتمعي والتدجين السلطوي إلى إعادة إنتاج العقد الوطني من القاعدة)

ليست الدولة جهازًا فوقيًّا فحسب، بل هي أيضًا تعبير عن بنية المجتمع الذي تنبثق منه. وإذا كانت السيادة تبدأ من استعادة المؤسسات، فإنها لا تكتمل إلا بإعادة بناء النسيج المجتمعي الذي تمزّق تحت وطأة الاستبداد والحرب.

فلا يمكن لدولة أن تنهض فوق أرضٍ خاوية من التماسك، أو أن تستقر فوق مجتمع مفكك الهوية، منكسر الثقة، ممزق بين الطوائف، أو مُستَلب في جماعات مغلقة متنازعة.

في سوريا، لم تدمّر الحرب فقط البنية الفوقية للدولة، بل كشفت عمق التشظي في البنية المجتمعية الذي صنعته عقود من التسلّط السياسي والتهميش الثقافي، والذي كرّسه النظام عبر اختزال المجتمع في أدوات تدجين وأجهزة رقابة، ومنع كل قدرة على التنظيم الذاتي أو المبادرة الحرة أو العمل الجماعي المستقل.

لم تكن السلطة فقط فوق المجتمع، بل كانت داخله، مفككة لروابطه، معيدة تشكيله على أساس الخوف والتبعية والتصنيف الطائفي والسياسي والمناطقي.

ثم جاءت الثورة، ومعها نشأت مساحات أوسع للتنظيم المجتمعي، لكن كثيرًا منها لم يستطع الانفكاك عن التمويل المشروط، أو الاستقطاب الإيديولوجي، أو الطابع العشوائي المؤقت، فانتهت كثير من المبادرات إلى الانكفاء، أو التبعثر، أو التحوّل إلى مجرد أدوات إغاثة أو توظيف سياسي.

واليوم، فإن مشروع النهضة لا يمكن أن ينجح دون إعادة بناء البنية المجتمعية والمدنية على أسس جديدة:
▪ تستعيد الثقة بين الأفراد،
▪ وتُعيد تمكين المجتمع من تنظيم نفسه،
▪ وتُفعّل المشاركة القاعدية،
▪ وتُحرّر الفضاء العام من الهيمنة السياسية أو الحزبية أو الدينية،
▪ وتُعيد تعريف مفهوم “المدني” بوصفه مجالًا للعيش المشترك، لا مجرّد غلاف تقني للعمل.

في هذا الباب، لا ننظر إلى المجتمع كضحية فقط، بل كمصدر للشرعية والديناميكية والبناء الذاتي.

ويتم التأسيس لمنظومة مدنية وطنية تنبثق من احتياجات الناس الفعلية، وتقوم على مبدأ الشراكة لا الوصاية، وتُربط عضويًا بالمجالس المحلية والرقابة المجتمعية والسياسات العامة.

كما يُعاد الاعتبار للمجتمع بوصفه شريكًا في إنتاج الدولة، لا مجرّد متلقٍ للسلطة، ولا مادة خام للتعبئة،

ويُطرح تصور لوحدة مدنية وطنية تدمج القوى الاجتماعية المتعددة، وتمنع التذرر، وتحمي من الانغلاق الهوياتي، وتؤسس لعقد اجتماعي تشاركي لا تهيمني.

فلا دولة بلا مجتمع واعٍ ومنظم،
ولا سياسة بلا نسيج مدني يحرس المعنى العام،
ولا عقد وطني بلا أرضية مجتمعية تحميه وتُنتجه باستمرار.

 

 
القسم السابع - فصول الباب الرابع: البنية المجتمعية والمدنية