القسم السابع – الباب الثاني
الباب الثاني بناء الدولة والإدارة الرشيدة
مقدمة:
(من البيروقراطية السلطوية إلى منظومة خدمة وطنية فعالة وخاضعة للمجتمع)
في المجتمعات الخارجة من الاستبداد أو الحروب، عادةً ما يُنظر إلى الدولة إما كمصدر خوف، أو كأملٍ غامضٍ يُلقى عليه كل العبء.
أما في سوريا، فقد تراكمت الصورتان معًا: دولة أمنية–بيروقراطية تُخيف المجتمع، لكنها في الوقت ذاته المرجع الوحيد المتاح حتى في أسوأ حالات الانهيار.
لقد فُقدت الثقة بالدولة، لا لأنها فشلت فقط، بل لأنها أُديرت لأجل السلطة لا لأجل المجتمع، ولأجل الإخضاع لا لأجل الخدمة، فغابت وظيفتها الأصلية، وتحوّلت إلى هيكل متهالكٍ فوق ركام العدالة والتنمية.
إن مشروع النهضة لا يطمح إلى تغيير الشعارات، بل إلى إعادة تأسيس الدولة من جذورها، لا بوصفها سلطة حاكمة، بل منظومة إدارة وطنية تخدم الشعب وتخضع لرقابته وتمكّنه من القرار.
ولا يمكن إنجاز ذلك من دون مراجعة شاملة لبنية الإدارة العامة: من تشكيل الوزارات، إلى آليات اتخاذ القرار، إلى قنوات التنفيذ، إلى مؤشرات الأداء، إلى ضبط الإنفاق، إلى المساءلة والشفافية.
ليست الإدارة الرشيدة مجرد كفاءة تقنية، بل فعلٌ سيادي، وشرط أساسي للشرعية، وأداة أساسية لتجديد الثقة بين المواطن والدولة.
إنها الضامن لفعالية المؤسسات، والاستقرار الحقيقي، والتوازن بين المركز والمحيط، والنزاهة والفعالية، والقانون والمرونة.
وهذا الباب، ضمن الهندسة المؤسسية العامة، يُعالج الركن الثالث من أركان بناء السلطة:
بعد السلطة السياسية، والمؤسسات الأمنية، تأتي الإدارة العامة بوصفها الحامل التنفيذي للسياسات، وصلة الوصل بين القرار والحياة اليومية للناس.
في هذا السياق، يُعاد التفكير في الدولة السورية لا كجهاز متضخم عاجز، ولا كحكم فرداني، بل كمنظومة عقلانية، عادلة، مرنة، مسؤولة، شفافة، توزّع السلطة بما يُنتج أفضل خدمة وأعلى درجة من الرقابة والمساءلة.
فلا دولة دون إدارة،
ولا إدارة دون فعالية،
ولا فعالية دون استقلال تنظيمي–سياسي يضع الخدمة فوق الولاء، والمواطن فوق الأجهزة، والمصلحة العامة فوق الحسابات الضيقة.
فصول الباب الثاني
القسم السابع - الهندسة المؤسسية للنهضة السورية