web analytics
القسم الخامس عشر – الباب الثاني

الباب الثاني خارطة التدرّج الوطني

من الانتقال إلى الاستدامة

مقدمة

بعد أن أسّس الباب الأول من هذا القسم لموقع الإنسان كجوهر للدولة، والسيادة كالتزام أخلاقي، والعدالة كمعيار للشرعية، تنتقل هذه الدراسة إلى المرحلة التالية: من الفكرة إلى الفعل، ومن المفهوم إلى التخطيط، ومن الثورة على النظام إلى هندسة التغيير المستدام.

في السياق السوري المنهار، لا يمكن القفز من لحظة الانفجار إلى بناء نظام بديل كامل، ولا من حطام الدولة القديمة إلى مؤسسة حديثة دفعة واحدة.

إنَّ التحوّل لا يُدار بالنيات ولا بالشعارات، بل بخارطة دقيقة توازن بين السرعة والوعي، وبين الحاجة للاستقرار، وضرورة التجديد البنيوي الشامل

ومن هنا، يُعالج هذا الباب التحدي الزمني للنهضة، عبر صياغة متكاملة لـ خطة التدرج الوطني، باعتبارها العمود الفقري للانتقال السياسي والدستوري والمؤسساتي نحو دولة حديثة ذات سيادة مجتمعية، وشرعية داخلية، واستدامة فكرية ومؤسسية.

ويتناول هذا الباب ثلاث وظائف متكاملة:

  1. مراحل الانتقال الوطني:

من لحظة الانهيار إلى لحظة التأسيس، وما بعدها من التثبيت، والتنضيج، والتوسعة، بما يشمل إعادة هيكلة مؤسسات الدولة، ترميم العقد الاجتماعي، وتثبيت الأرضية القانونية للشرعية الجديدة.

  1. الجدولة الزمنية للأولويات:

تنظيم مراحل العمل على ملفات الدولة الجوهرية، مثل الأمن، الغذاء، العدالة، الإدارة، والتمثيل، ضمن أفق زمني متدرج (قصير، متوسط، طويل الأمد)، دون قفزات، ولا بطء قاتل.

  1. آليات الحماية والتصحيح:

تأسيس بنية رقابية مستقلة تُرافق التنفيذ، وتمنع الانحراف عن المقاصد، مع وجود منظومة تغذية راجعة وتقييم مستمر، تضمن التكيف مع الواقع دون التضحية بالمبادئ.

ولهذا، لا يُطرح هذا الباب بوصفه “خطة حكومية”، بل بوصفه بوصلة سيادية لبناء المصير الوطني، تُحرّر الدولة من إرث الوصاية، وتحرّك المشروع النهضوي من الورق إلى الواقع، عبر تعاقد زمني بين الدولة والمجتمع، يُبنى فيه كل يوم على وعي، ويُراجع فيه كل قرار على أساس معناه لا فقط جدواه.

هذا الباب إذًا، هو التجسيد العملي للفلسفة النهضوية، والمساحة التي يُختبر فيها صدق المبادئ، وجديّة التطبيق، وإمكانية تحويل الدولة من “مشروع تأسيس” إلى “نموذج استدامة”.

 

 

القسم الخامس عشر - فصول الباب الثاني