web analytics
القسم الثاني عشر 

القسم الثاني عشر الدولة السورية الجديدة في النظام الإقليمي والدولي

هندسة العلاقات والتحالفات السيادية

مقدمة

ليس من مهمة السياسة الخارجية أن تُنقذ الداخل، لكنها حين تتأسس على وعي وطني عميق، تصبح امتدادًا طبيعيًا له، وتشكّل ذراعه السيادي في عالمٍ يتغيّر بسرعة، ولا يعترف إلا بالفاعلين القادرين على التموقع الذكي، والتفاوض من موقع ندي، ورسم المصالح لا الركض وراءها. وإذا كان مشروع النهضة السورية يهدف إلى بناء دولة مستقلة، عادلة، فاعلة، ومتوازنة، فإن هذا لا يمكن أن يكتمل دون إعادة صياغة عميقة وجذرية لعلاقة سوريا مع العالم، ولتموضعها في النظامين الإقليمي والدولي.

لم تكن السياسة الخارجية السورية، في ظل الأنظمة السابقة، سوى صورة أخرى للاستبداد، تعكس ارتباك الداخل، وانفصاله عن مصالح شعبه. كانت مرتهنة في معظمها لمعادلات أيديولوجية عقيمة، أو خاضعة لتوازنات أمنية هشّة، أو مرتهنة لتحالفات لم تنتج سوى التبعية والتهميش. أما اليوم، وفي إطار مشروع وطني جامع يعيد تعريف السيادة لا كشعار، بل كمنهج عمل، تبرز الحاجة الملحة إلى إعادة هندسة العلاقات الدولية من منظور جديد: منظور السيادة الفعلية لا الوكالة، الشراكة لا الارتهان، المبادرة لا الانفعال.

إن القسم الثاني عشر من هذا المشروع لا يُقارب السياسة الخارجية بوصفها حقلًا منفصلًا عن الداخل، بل يُؤسّس لها كرافعة سيادية ذات بعد استراتيجي عميق، تُبنى على ما أُنجز في العقد الاجتماعي الجديد، وعلى ما تم ترسيخه من مفاهيم السيادة والفاعلية في الأقسام السابقة. هنا، نعيد بناء منظومة العلاقات السورية على أساس المصالح الوطنية العليا، والاعتراف بالتعدد القطبي العالمي، والانطلاق من موقع غير متحيّز لكنه غير محايد، وملتزم بمصالح الشعب السوري أولًا وأخيرًا.

تقوم هذه المعالجة على قواعدنا المنهجية الصارمة، التي لا تسمح بالارتجال، ولا بالاستعارات الجاهزة، ولا بالتنظير المنفصل عن الواقع. نحن لا نقدم برنامج علاقات عامة، بل نرسم خريطة تحالفات وسياسات قابلة للتطبيق، تُراعي التوازنات العالمية، وتحمي استقلال القرار السوري، وتستثمر في نقاط القوة الجغرافية والديمغرافية والاستراتيجية التي تمتلكها سوريا، حين تكون دولةً حقيقية وشعبًا حرًّا.

ينقسم هذا القسم إلى خمسة أبواب منهجية: يبدأ أولها بتحديد العقيدة الجديدة للسياسة الخارجية السورية، من حيث المبادئ والمفاهيم والمصالح؛ ثم يُعالج العلاقة مع القوى الدولية الكبرى من موقع التوازن السيادي؛ ثم يعيد تموضع سوريا في محيطها الإقليمي؛ وصولًا إلى تصور متكامل لدور سوريا في النظام العربي المشترك؛ وأخيرًا يتناول التحديات الدولية التي تواجه الدولة الجديدة، من العقوبات إلى الاحتلالات، ومن الإرهاب إلى السيادة الرقمية، مع تقديم حلول ومعالجات واقعية قابلة للتفاوض والتطبيق.

هذه ليست سياسة ردود أفعال، ولا تصريحات ظرفية، بل هندسة سيادية للعلاقات الخارجية، تنبع من رؤية متكاملة للدولة السورية ما بعد الاستبداد، وتُكرّس لسوريا موقعًا جديدًا بين الأمم: موقع الدولة التي خرجت من ركامها، لتصبح شريكًا فاعلًا، لا تابعًا منهكًا.

أبواب القسم الثاني عشر - الاستراتيجية النهضوية الشاملة