web analytics

النهضة كفعل جمعي

من مركز الفرد إلى منظومة الشراكة والمسؤولية

مدخل فلسفي–اجتماعي:

كل مشروع نهضوي يبدأ بالسؤال:
من سيقوم به؟
وفي الثقافة السلطوية، الإجابة جاهزة:
“القائد، الزعيم، الفرد–المخلّص”.

لكن هذه الفكرة، مهما تغنّى بها التاريخ،
ليست سوى أسطورة مريحة وخطيرة في آن.

فالنهضة لا يصنعها فرد،
ولا تُبنى بالوصاية،
ولا تنبع من عبقرية متفردة،
بل هي فعل جمعي متراكم،
يحتاج إلى وعي، وبنية، وشراكة، واستمرارية.

أولًا: خرافة الفرد المخلّص – من عبد الناصر إلى حافظ الأسد إلى “زعيم اللحظة

لطالما أغرَت المجتمعات بالخلاص الفردي:

رجل المرحلة”،

البطل الضرورة”،

القائد التاريخي”،

العقل المدبّر”.

لكن، في الحقيقة، كل هؤلاء – من دون بنية مجتمعية واعية –
إما انقلبوا على شعوبهم،
أو انهار مشروعهم بانهيارهم،
أو فشلوا لأنهم ظنّوا أن الجماعة تُلحق… لا تُشارك.

في سوريا، عُبّد الطريق للأسد الأب بأسطورة “المنقذ من الفوضى”،
ثم خُلِّد الابن بوصفه “ضمانة الاستقرار”،
وفي بعض أطراف المعارضة، عُبِّدت طرقٌ مماثلة لأسماء أخرى… تحت عناوين جديدة.

لكن النتيجة واحدة:
سقوط المشاريع لأنها لم تكن مشاريع مجتمع،
بل مراهنات على أفراد.

ثانيًا: النهضة كمنظومة – لا لحظة، ولا شخص، ولا قرار فوقي

في مشروعنا، نُعيد تعريف النهضة كالتالي:

النهضة ليست حدثًا ولا برنامجًا،
بل هي مسار تشاركي طويل،
تُنتجه الجماعة السياسية،
ويُبنى على الفعل التراكمي،
وتُؤطّره بنية معرفية–تنظيمية تضمن الاستمرارية.

هي شبكة من الفاعلين:

المثقفون،

المجتمع المدني،

النقابات،

السلطات المحلية،

المؤسسات التعليمية،

الحركات الاجتماعية،

الأفراد الذين يمتلكون الوعي والقدرة والمسؤولية.

ولا مكان فيها لـ”الزعيم الملهَم”،
ولا لـ”الجماهير المنفّذة”،
بل لكل إنسان يُدرك أنه شريك في البناء والقرار والمصير.

ثالثًا: من المسؤولية الفردية إلى المساءلة الجماعية

النهضة الحقيقية تبدأ حين:

يعرف كل مواطن دوره،

ويشعر أن قرارات الحكم تخصه،

ويملك أدوات التأثير والمحاسبة،

ولا يخشى قول “لا،

ولا ينتظر أن يأتيه الخلاص من الخارج أو الأعلى.

ولهذا، فكل منظومة نهضوية يجب أن تتضمن:

مساحات تعبير حر ومفتوح.

إعلام لا يُدجّن ولا يُدار بالريموت.

مؤسسات مجتمع مدني فاعلة، لا شكلية.

مجالس محلية منتخبة، تُقرّر لا تُزخرف.

آليات مشاركة في صياغة السياسات، لا فقط اختيار الوجوه.

رابعًا: بناء الوعي الجمعي – من ثقافة الاتكال إلى ثقافة المشاركة

أخطر ما فعلته الأنظمة التسلطية في سوريا أنها كسرت الرابط بين الإنسان والفعل.
جعلته:

مشاهدًا،

ساخرًا،

مترددًا،

فاقدًا للثقة،

مقتنعًا أن “لا شيء يتغيّر”،

وأن “كلهم مثل بعض”،

وأن السياسة لعبة قذرة لا يستحق الدخول فيها.

لكن مشروع النهضة يبدأ من ردّ هذا الإنسان إلى نفسه،
وإعادة بناء ثقافة المشاركة، لا بالتحفيز العاطفي، بل بالتمكين الفعلي.

خامسًا: معركة ضد اللاجدوى – لماذا يشارك الناس؟

لن يشارك السوريون في بناء نهضتهم:

إن لم يروا جدوى حقيقية،

إن لم يلمسوا أثرًا واقعيًا،

إن لم يشعروا أن صوتهم مسموع،

وإن لم تُكسر حلقة: “المشاركة شكلية، والقرار جاهز”.

لذلك، يجب أن تتضمّن النهضة:

شفافية تامة في الإدارة العامة،

رقابة شعبية منظمة،

منابر نقاش مجتمعية غير مؤطّرة،

ربط واضح بين القرار والمحاسبة.

الخاتمة: من المواطن الصامت إلى الإنسان الشريك

في النهاية، لا نهضة بلا ناس.
ولا مشروع ينجح إذا ظل حكرًا على نخب أو تيارات.
ولا دولة تبقى إن لم يكن مجتمعها فاعلًا، واعيًا، شريكًا.

ولذلك، فإن جوهر مشروعنا هو:

تحويل المواطن من مُراقَب إلى رقيب،
من منفّذ إلى مُقرر،
من موضوع للسياسة إلى شريك في صياغتها،
من مستهلك للنهضة إلى مُنتِج لها.

هكذا فقط
تصبح النهضة مسارًا لا لحظة،
وفعلًا لا شعارًا،
وإرادة جماعية لا معجزة منتظرة.