web analytics
القسم الحادي عشر – الباب الأول

الباب الأول الرؤية الاستراتيجية ومبادئ الفعل الوطني

مقدمة تمهيدية

في لحظة مفصلية من تاريخ سوريا، حيث تراكم الانهيار حتى باتت الدولة نفسها موضع تساؤل وجودي، يصبح من غير الكافي أن نكتفي بالتشخيص، أو أن نتوقف عند نقد البنية السلطوية. فالمجتمعات لا تُبنى بالرفض وحده، بل بالإرادة القادرة على خلق بدائل سيادية تعيد المعنى إلى السياسة، والكرامة إلى الاجتماع، والمكانة إلى الدولة.
من هنا، ينطلق هذا الباب بوصفه التأسيس الأعلى للخطة الاستراتيجية، حيث لا يكون الهدف هو مجرد إصلاح جزئي أو معالجة تقنية، بل بناء رؤية نهضوية متكاملة تنطلق من فلسفة وطنية شاملة، وترتكز على مبادئ سيادية لا تقبل التنازل، وتستند إلى فهم عميق لمفهوم الدولة كأداة لخدمة الإنسان، لا كقيد عليه.

إن ما نُؤسّس له هنا ليس خطابًا وطنيًا إنشائيًا، بل تحولًا جذريًا في المعنى السياسي ذاته. فالدولة لم تعد مقبولة ككيان يعلو على المجتمع ويحتكره، ولا السيادة كغطاء للقمع أو التبعية، ولا النهضة كمشروع مفصول عن الإنسان ومكانه وزمانه. بل نحن أمام تعريف جديد لمفهوم الفعل الوطني، يقوم على أن الإرادة الحرة للشعب هي مصدر السيادة، وأن الدولة السيادية هي التي تستمد مشروعيتها من خدمتها الفعلية للصالح العام، وأن النهوض ليس ترفًا حضاريًا بل ضرورة وجودية.

في هذا الإطار، يرسم الباب الأول معالم الانطلاقة الاستراتيجية عبر ستة فصول تشكل البنية المعنوية والسياسية العليا للمشروع:

أولًا، بتحديد النهضة كفعل تاريخي إرادي لا كتحول عفوي أو خارجي، وبيان كيف تتحول الرؤية الفلسفية إلى منطلق سيادي عملي.

ثم بتأسيس مبدأ أن السيادة الوطنية ليست مجرد مبدأ قانوني بل هي شرط أساسي لأي مشروع سياسي حقيقي.

يلي ذلك طرح مسألة القرار السياسي الوطني بوصفه ساحة النضال الفعلي، لا مجرد واجهة شكلية.

ثم معالجة مركزية الإرادة الجمعية في مشروع النهضة، انطلاقًا من وعي أن الشعب ليس جمهورًا يُخاطب، بل فاعلًا يجب تمكينه ليحمل مشروعه.

كما يُعاد تعريف الدولة السيادية بوصفها مسؤولية أخلاقية قبل أن تكون سلطة سياسية.

ويُختتم الباب بتأصيل مبدأ الواقعية الأخلاقية، كنموذج يوازن بين رفض الاستسلام والانخراط الواعي في ممكنات الواقع، دون السقوط في المثالية العقيمة أو البراغماتية المفرطة.

إن هذا الباب، بتفاصيله وتحولاته، هو ما يمنح الخطة الاستراتيجية معناها الجوهري، ويؤسس لعلاقة متكافئة بين الحلم والواقع، بين السياسة والقيم، بين الفعل والمبدأ. ومن هنا يبدأ التحول الحقيقي: حين تصبح السيادة رؤية، وتتحول الرؤية إلى سياسة، والسياسة إلى فعل سيادي متكامل.

 

القسم الحادي عشر - فصول الباب الأول