القسم العاشر – الباب الخامس
الفصل السابع عشر النموذج السوري من التمايز إلى الإلهام الإقليمي
بناء مشروع نهضوي سوري متمايز قابل للتوسّع في الوعي العربي والإنساني كمثال على تجاوز الانهيار وبناء دولة الحرية والسيادة والعدالة
أولًا: الإشكالية – من الاستثناء السلبي إلى غياب النموذج
طوال العقود الماضية، وُصِفت سوريا تارة بـ”القلب النابض”، وتارة بـ”الدولة المحورية”، لكن هذه الصفات كانت غلافًا خطابياً لنظامٍ بلا مشروع، و”محورية” قائمة على الخراب والتدخل لا على البناء والإلهام.
ومع انهيار الدولة بفعل الاستبداد والحرب، تحوّلت سوريا إلى:
دولة فاشلة في الوعي الدولي.
أرض نزاع لا تجربة تحوّل.
موضوعًا للمراقبة لا فاعلًا في الإلهام.
وبات السوريون يبحثون عن نماذج خارجية، في حين ظلّ الداخل خاليًا من أي مشروع يستحق أن يُصدَّر كأمل أو رؤية.
ثانيًا: التحديات أمام إنتاج نموذج وطني ملهم
هيمنة صورة الحرب والانهيار والدمار على المشهد السوري دوليًا.
ضعف الثقة الذاتية في إمكانية التحوّل السوري إلى قصة نجاح.
تشظّي الهوية الوطنية، وغياب التوافق على المشروع السياسي الجامع.
صراع المشاريع الإقليمية فوق الأرض السورية، مما يجعلها مفعولًا به دائمًا.
افتقار الداخل إلى أدوات التعبير المؤسسي والإعلامي والفكري عن مشروعه الخاص.
ثالثًا: الرؤية الجديدة – النموذج السوري كحالة مقاومة معرفية واستنهاض سياسي
في قلب هذا الركام، تولد الإمكانية: أن تتحول سوريا من ساحة للفشل إلى مختبر للنهضة، ومن مسرح للعنف إلى ساحة لصناعة المعنى.
ويتحقق ذلك عبر:
إنتاج مشروع وطني متكامل يتجاوز الانقسام والتبعية.
تحويل هذا المشروع إلى سردية إيجابية قادرة على الإلهام والإقناع.
بناء منظومات مؤسسية وشعبية تُجسّد هذا المشروع في الداخل، ثم تعكسه خارجًا.
تحويل التجربة السورية من كارثة منعزلة إلى درس إنساني عابر للحدود.
رابعًا: خطوات بناء وتوسيع النموذج السوري كرسالة إقليمية
- صياغة الهوية السياسية–القيمية للمشروع السوري الجديد
إعلان ميثاق وطني يُعرّف الدولة السورية الجديدة بسماتها السياسية والأخلاقية والقانونية.
إبراز ثلاثية: السيادة، التعدد، العدالة، كأعمدة النموذج الجديد.
فصل التجربة السورية عن ماضيها السلطوي دون إنكار الجذور التاريخية والروحية للشعب.
- تحويل مؤسسات النهضة السورية إلى أدوات نموذجية قابلة للتصدير
تأسيس مراكز فكر، مناهج تربوية، مشاريع إنمائية، وسرديات فنية تنبع من التجربة السورية الجديدة.
توثيق التجربة التحولية في كتب وأفلام وبرامج وتطبيقات وقواعد بيانات مفتوحة.
تقديم التجربة السورية بوصفها مشروعًا عربيًا إنسانيًا، لا تجربة قومية منغلقة.
- إطلاق شبكات التفاعل الإقليمي والإنساني حول المشروع السوري
بناء شراكات مع قوى مدنية وفكرية في العالم العربي والإسلامي والإنساني.
تنظيم مؤتمرات حوارية وإبداعية حول دروس سوريا في الخروج من الحرب وبناء الدولة.
دعوة الشتات السوري ليكون سفراء للمشروع لا مجرّد لاجئين أو ممثلين لمعاناة.
- إعادة إنتاج الصورة الرمزية لسوريا في الوعي العربي والدولي
إطلاق حملات تعريفية إعلامية وثقافية حول قيم النهضة السورية.
توجيه الإنتاج الثقافي والفني لخدمة رؤية سورية جديدة منفتحة، فاعلة، مضيئة.
دمج الأمل السوري في الحركات الشعبية العربية والحقوقية والإنسانية بوصفه ممكنًا لا حالة ميؤوس منها.
خامسًا: الخطة التنفيذية المرحلية
- المرحلة الأولى (أشهر 0–12)
صياغة وإطلاق “وثيقة المشروع السوري النهضوي” بعد حوارات مجتمعية واسعة.
بناء هوية بصرية ورمزية موحّدة للنموذج السوري الجديد.
إنشاء هيئة وطنية للتواصل الثقافي والدولي حول المشروع السوري.
- المرحلة الثانية (سنة 1–3)
تدشين أولى المبادرات النهضوية القابلة للتوسّع إقليميًا (في التعليم، العدالة، اللامركزية…).
نشر أول سلسلة كتب ومحتوى رقمي عن “التحول السوري” باللغات العالمية.
بناء شبكة دعم دولي للمشروع السوري من شخصيات ومؤسسات فكرية وأكاديمية.
- المرحلة الثالثة (ما بعد 3 سنوات)
إدراج النموذج السوري ضمن منتديات دولية حول التحولات ما بعد النزاعات.
إقامة منتدى سنوي بعنوان “سوريا الجديدة: من الألم إلى الأمل”، يجمع نخبًا من الداخل والخارج.
تقييم شامل لأثر المشروع السوري في الخطاب العربي والدولي، وتحديث آليات تأثيره.
سادسًا: سوريا من جديد – من دولة تبحث عن دور إلى مشروع يبحث عنه الآخرون
حين يُبنى المشروع السوري على المعرفة والسيادة والشراكة، فإنه يتحوّل من حالة محلية إلى نموذج يُنتظر، يُدرَس، يُستلهم.
وفي عالم منهك يبحث عن المعنى والعدالة، قد تكون سوريا – إن نجحت في تجاوز كارثتها – منارة صغيرة وسط العتمة، تذكّر البشرية بأن الشعوب قادرة على النهوض حين تؤمن بذاتها وتملك مشروعها.