Page 20 - The Syrian Renaissance and Post-Despotism State-Building Project
P. 20

‫الفصل الثالث تآكل المؤسسات وفقدان التمثيل‬

                            ‫كيف تح ّولت الدولة إلى واجهة فارغة؟‬

                                                                               ‫مدخل تمهيدي‪:‬‬

‫ليست الدولة مؤسسة السلطة فقط‪ ،‬بل هي قبل كل شيء الإطار الذي يُع ّبر فيه المجتمع عن ذاته‪ ،‬وين ّظم من خلاله‬
                                                          ‫طاقاته‪ ،‬ويضمن من داخله التمثيل والعدالة والتوازن‪.‬‬

                                             ‫لكن الدولة السورية‪ ،‬في نسختها ما قبل الانفجار‪ ،‬لم تكن ذلك الإطار‪.‬‬
‫بل كانت‪ ،‬شيئًا فشيئًا‪ ،‬تتح ّول إلى واجهة شكلية بلا مضمون‪ ،‬وبنية متآكلة تخدم السلطة لا المجتمع‪ ،‬وتُنتج الولاء لا‬

                                                                                                    ‫الشراكة‪.‬‬
 ‫هذا الفصل لا يرصد فقط مظاهر الانهيار المؤسسي‪ ،‬بل يحلل كيف تم تفريغ الدولة من الداخل‪ ،‬وكيف أُعيد تشكيلها‬

                  ‫لتخدم منطقاا سلطوياا أحاد ايا‪ ،‬وكيف فُقد التمثيل لا بالصدام فقط‪ ،‬بل بالتح ّول الصامت طويل الأمد‪.‬‬

                                                                ‫أولاا‪ :‬اختزال الدولة في السلطة‬

‫منذ اللحظة التي ر ّسخ فيها حافظ الأسد نظامه‪ ،‬بدأ تفكيك العًلقة بين الدولة كجهاز عام يخدم الجميع‪ ،‬وبين السلطة‬
                                                                                                  ‫كنظام حكم‪.‬‬

                                                            ‫‪ ‬اختُزلت الدولة تدريجيًا في شخص الحاكم‪.‬‬
                                                               ‫‪ ‬اختُزلت المؤسسات في وظيفتها الأمنية‪.‬‬

                                                                ‫‪ ‬اختُزل المواطن في ولائه‪ ،‬لا في حقه‪.‬‬

                                                                                  ‫فلم يعد للبرلمان دور رقابي‪،‬‬
                                                                                 ‫ولا للسلطة القضائية استقًلل‪،‬‬
                                                                              ‫ولا للمجالس المحلية تمثيل فعلي‪،‬‬

                                                                                          ‫ولا للنقابات صوت‪،‬‬
                                                                                     ‫ولا للمجتمع المدني مكان‪.‬‬

                                 ‫كل مؤسسة باتت تابعة‪ ،‬و ُمفرغة‪ ،‬وتؤدي دو ًرا تمثيليًا‪ ،‬لا تمثيليًا بالمعنى الحقيقي‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬أصبحت الدولة ديكو ارا فوق بنية استبدادية عميقة‪ ،‬لا تعكس المجتمع‪ ،‬بل تُخ ّدره‪ ،‬وتُق ّنع استبداده بالشكل‬

                                                                                            ‫المؤسسي الكاذب‪.‬‬

                                                           ‫ثانياا‪ :‬نفي السياسة من الفضاء العام‬

                                            ‫في دول العالم الحي‪ ،‬السياسة مجال حوار واختًلف ووساطة مصالح‪.‬‬
                                  ‫أما في سوريا‪ ،‬فقد ُح ّولت السياسة إلى خطر‪ ،‬وأُخرجت بالكامل من المجال العام‪.‬‬

                                    ‫‪ ‬الأحزاب ت ّمت محاصرتها أو تدجينها ضمن الجبهة الوطنية التقدمية‪،‬‬

                                                                       ‫‪ ‬النقاشات العامة صارت خيانة‪،‬‬
                                                                                   ‫‪ ‬الإعًلم بات بوقًا‪،‬‬

                                                                      ‫‪ ‬والجامعة ميدانًا للتلقين لا للفكر‪،‬‬

                                                                  ‫‪ ‬والانتخابات أدوات تزكية لا مساءلة‪.‬‬

‫‪20 | P a g e‬‬
   15   16   17   18   19   20   21   22   23   24   25