Page 17 - The Syrian Renaissance and Post-Despotism State-Building Project
P. 17
الفصل الثاني بنية الاستبداد وآليات الهيمنة
مدخل تمهيدي:
الاستبداد ليس لحظة انقًلب ،بل منظومة طويلة الأمد،
لا تُبنى بالصدفة ،ولا تنهار بالصدمة،
بل تتجذر عبر الزمن ،عبر مؤسسات تتآكل من الداخل ،وقيم تُستبدل تدريج ًيا ،ونُخ ٍب تتو ّرط باسم الوطنية ،ومجتمعٍ
يُعاد تشكيله ليخدم غايتها دون أن يشعر.
في الحالة السورية ،لم يكن الاستبداد مج ّرد سلطة قمعية ،بل نظا اما معرف ايا–سياس ايا متكاملاا ،أعاد تعريف معنى الدولة،
ومعنى المواطن ،ومعنى الحق ،ومعنى الوطن نفسه
ولذلك ،لا يكفي أن نقول "سقطت الحرية" ،بل يجب أن نسأل:
كيف بُني الاستبداد؟
من أين تغذّى؟
ما الأدوات التي جعلته يستمر؟
ولماذا ق ِبله المجتمع – أو سكت عليه – لعقود؟
أولاا :من الاستقرار إلى الاستئثار – صناعة الدولة–الجهاز
عندما صعد حزب البعث إلى السلطة عام ،1963حمل شعارات التحرر والوحدة والعدالة الاجتماعية.
لكن ما حدث لاحقًا ،لم يكن ترسي ًخا للمشروع ،بل انزلا اقا تدريج ايا نحو بناء جهاز يُدير الدولة لا ليخدمها ،بل ليحتكرها.
الدولة لم تعد ساحة تنافس بين رؤى ،بل مجا ًلا مغلقًا يُعاد هندسته لصالح المركز السلطوي.
مؤسسات التمثيل أُفرغت من مضمونها ،وذُ ّوبت داخل الحزب.
الوزارات أُلحقت بالأجهزة الأمنية.
البيروقراطية تح ّولت إلى ذراع للولاء لا للكفاءة.
الخطاب القومي استُخدم لتبرير إلغاء التعدد.
والنظام الجمهوري صار عمليًا نظا ًما سلطان ًيا بدون اسم.
بذلك ،لم تُب َن دولة قانون ولا مؤسسات ،بل جهاز سيطرة مغلق ،محكوم بمنطق الشك لا الثقة ،والمنع لا الإبداع،
والإخضاع لا المشاركة.
ثانياا :ترويض المجتمع – الهندسة الناعمة للولاء
الاستبداد في سوريا لم يُمارس بالسجن فقط ،بل بالترويض.
أعيد إنتاج الخطاب المدرسي ليُقدّس القائد لا الفكرة.
أُخضعت النقابات والجمعيات والمراكز الثقافية لإشراف حزبي صارم.
تم تطبيع الخوف عبر التكرار ،وعبر تذويب الحدود بين المواطن والمخبر ،بين الفرد والجهاز.
ُ ربط الخبز بالولاء ،والوظيفة بالصمت ،والتعليم بالتبعية ،والعًلج بالانضباط.
17 | P a g e