Page 16 - The Syrian Renaissance and Post-Despotism State-Building Project
P. 16
فالمواطن السوري ،منذ التأسيس ،لم يشعر أن الدولة خرجت من كيانه ،بل فُرضت عليه من جهة عليا ،لم يفهمها ،ولم
تشاركه القرار ،ولم تحترم هويته أو تنوعه أو ثقافته.
وبذلكُ ،ولدت الدولة منفصلة عن المجتمع ،والشرعية مج ّردة من التمثيل" .فكانت دولة بلا انتماء ،وسلطة بلا
أساس".
ثالثاا :غياب التصور الوطني الجامع
ما من دولة يمكن أن تُبنى دون رؤية تُجمع حولها أطياف المجتمع ،وتُقدَّم كمشروع جامع يتجاوز الانتماءات الأولية.
لكن ما حدث في سوريا هو أن النخب التي تعاقبت على السلطة فشلت في إنتاج سردية وطنية جامعة ،واكتفت بشعارات
قومية أو دينية أو طبقية تنفر منها فئات واسعة.
فالقومية العربية ه ّمشت غير العرب،
والاشتراكية صادرت ملكية الطبقة الوسطى دون أن تنتج عدالة،
والإسًلم السياسي فشل في أن يكون حاضنة جامعة،
والعشائرية والمناطقية عادت لتملأ الفراغ في المعنى.
فتش ّظت الهوية ،وتو ّزعت الولاءات ،وتراجع الانتماء الوطني لحساب الروابط الدنيا ،لأن الدولة لم تق ّدم ذاتها كمرجعية
عادلة تحتضن الجميع.
رابعاا :التناقض التأسيسي بين الشكل والمضمون
صيغت الدساتير ،وأُجريت الانتخابات ،و ُعقدت الجلسات البرلمانية ،لكن كل ذلك جرى في ظل غياب مضمون حقيقي
يُح ّرك الشكل.
الدستور لم يكن تعبي ًرا عن عقد اجتماعي حي ،بل ن ًصا قانون ًيا ُوضع فوق الواقع.
البرلمان لم يكن منب ًرا لتمثيل المجتمع ،بل تكرا ًرا لنخب منفصلة عنه.
التعدديات الحزبية كانت سطحية ،ومشروطة ،وسرعان ما أُج ِهضت بانقًلبات متتالية.
فبقي الشكل قائ ًما ،لكن المضمون غائبًا ،وهو ما جعل أ ّي أزمة – مهما كانت صغيرة – تتح ّول إلى أزمة وجود ،لأن ما
بُني لم يكن متينًا ،بل ه ًّشا ،هشاشة بنيته وشرعيته.
خلاصة الفصل:
لم يكن الاستقًلل لحظة ولادة حقيقية للدولة السورية ،بل كان لحظة كشف عن فق ٍر في التصور ،وهشاشة في البناء،
وانفصا ٍل بين المجتمع والسلطة.
وقد ش ّكلت هذه اللحظة التأسيسية نقطة الانطلاق لانحدا ٍر طويل ،لم يكن سببه فقط أنظمة الحكم الًلحقة ،بل البنية التي
لم تُؤ َّسس أص ًًل على قاعدة عادلة ،ولا على شراكة مجتمعية.
ولهذا ،فإن فهم النهضة لا يبدأ من إسقاط النظام الحالي ،بل من قراءة المشهد التأسيسي نفسه ،وتحليل أعطابه ،وبناء
تص ّور بديل لا يُكرر لحظة الولادة المش ّوهة.
فما ُولد معاقًا ،لا يُشفى بالترقيع ،بل بإعادة التأسيس على وعيٍ جديد.
16 | P a g e