Page 15 - The Syrian Renaissance and Post-Despotism State-Building Project
P. 15
الفصل الأول الأزمة التأسيسية
هل ُولدت الدولة السورية معاقة؟
مدخل تمهيدي:
لا تبدأ المأساة من لحظة السقوط ،بل من لحظة التأسيس،
حين يُبنى الكيان على أرضية هشة ،أو على عقد اجتماعي زائف ،أو على جغرافيا لم تُصغ بعد بصوت أصحابها.
ولهذا ،لا بد أن يُطرح السؤال بجرأة:
هل ُولدت الدولة السورية – بصيغتها الحديثة – معاقة بنيوياا؟
هل كانت لحظة الاستقًلل بداية التحرر ،أم لحظة تأسي ٍس مأزومة لبنية دولة غير مكتملة الشرعية ،مضطربة الهوية،
ومجروحة التصور عن ذاتها ومجتمعها؟
في هذا الفصل ،لا نُعيد كتابة التاريخ ،بل نبحث في الجذور المؤسسة لما أفضى إلى الانهيار الكبير:
الجذور التي لم تُعالج،
ولم تُفكك،
بل بُني فوقها نظام ،ففوقه نظام ،ففوقه سلطة ،حتى تراكم الفشل في طبقا ٍت متكلّسة.
أولاا :لحظة الاستقلال بين الرمز والفراغ
حين خرج الانتداب الفرنسي من سوريا عام ُ ،1946رفع العلم ،وعزفت الموسيقات ،وأُعلن "الاستقًلل".
لكن ما لم يُقال ،أن الدولة التي استلمت الراية لم تكن تملك من مق ّومات الدولة إلا الاسم.
لم يكن هناك جهاز إداري راسخ،
ولا بنية سياسية متجذرة،
ولا مؤسسات تمثيلية ناضجة،
ولا مشروع وطني جامع.
بل كانت هناك نُخب مرتبكة ،ومجتمع متعدد الهوية ،ومؤسسات حديثة الولادة ،وسط سياق إقليمي ودولي يحكمه منطق
السيطرة والاصطفاف.
وبدلاً من الانكباب على إعادة بناء الدولة من الداخل ،انخرطت النخب في صراعات المحاور ،والتح ّزبات الإيديولوجية،
والصراعات على السلطة“ ،فتح ّول الاستقًلل من فرصة تأسيس إلى ساحة تجريب متك ّرر.”.
ثانياا :الدولة المصنوعة من فوق – لا من المجتمع
لم تتش ّكل الدولة السورية من تفاعل طبيعي بين المجتمع ومؤسساته ،بل فُرضت كبنية فوقية ،ذات طابع إداري مستنسخ
عن النموذج الكولونيالي.
بمعنى آخر:
الدولة لم تنبع من المجتمع،
ولم تُعبّر عن بنيته،
بل جرى تركيبها عليه كجهاز ضب ٍط أكثر من كونها أداة تمثيل.
وهذا ما جعل العًلقة بين الدولة والمجتمع علاقة ريبة لا شراكة ،علاقة رقابة لا رعاية ،علاقة أمر لا حوار.
15 | P a g e