Page 18 - The Syrian Renaissance and Post-Despotism State-Building Project
P. 18
وبذلك ،أصبح المواطن لا يعيش فقط تحت سلطة الاستبداد ،بل يُنتج جز اءا منها دون أن يدري ،لأن الاستبداد لم َي ْسكن
في السجون فقط ،بل في الوعي ،في اللغة ،في العًلقات اليومية ،في ال ِمزاج العام ،وفي المفاهيم التي تش ّكل صورة
الذات والآخر.
ثالثاا :العنف كأداة تأديب… لا استثناء
لم يكن العنف السياسي في سوريا خطأً أو تجاو ًزا ،بل أداة تأسيسية.
من حماة إلى تدمر،
ومن صيدنايا إلى عشرات السجون الصغيرة،
كان النظام يستخدم العنف لا كح ّل لأزمة ،بل كوسيلة لصياغة العًلقة مع المجتمع:
أن ترى الدولة بي ٍد دامية،
أن يعرف الجميع أن التم ّرد ثمنه الفناء،
أن تتح ّول الكارثة إلى رادع دائم عن التفكير.
هذا العنف لم يُما َرس فقط على الأفراد ،بل على الرمزية الجماعية للمجتمع:
على الطائفة المعارضة،
على المدينة التي تمردت،
على النخبة التي لم تبايع،
على الكلمة التي خرجت عن النص.
وهكذا ،أصبح الخوف ليس نتيجة قمع ،بل أساس العلاقة بين الدولة والمواطن.
رابعاا :تفكيك النخبة وصناعة الولاء
النخبة الفكرية والاقتصادية والدينية في سوريا ،لم تُستبعد دائ ًما ،بل أُعيد تشكيلها ضمن منطق الطاعة.
المثقف إن أراد أن يبقى ،عليه أن يُسبّح باسم القائد.
رجل الدين عليه أن يح ّول المنبر إلى مدح ،لا مساءلة.
التاجر عليه أن يُم ّول السلطة كي يُسمح له بالعيش.
الأكاديمي عليه أن يُعيد إنتاج المقرر لا أن يُنتج معرفة.
وهكذا ،لم يُق ِص النظام النخبة دائ ًما ،بل ح ّولها إلى مرآة له.
فاختفت النخبة المعارضة ،أو نُفيت ،أو ُسجنت،
وح ّل محلها نخبة هجينة ،بلا فكر ،بلا موقف ،بلا عمق ،بل فقط بوظيفة :إعادة إنتاج الشرعية الشكلية لمنظومة فقدت
مبررات بقائها.
خام اسا :النظام العالمي كضامن للاستبداد
الاستبداد السوري لم ين ُج وحده ،بل نجا لأنه كان مفيدًا.
مفيدٌ للمحاور الدولية التي تريد استقرا ًرا أمن ًيا بأي ثمن.
مفيدٌ لأن وجوده حمى مصالح إقليمية ،وقام بدور وظيفي واضح.
18 | P a g e