Page 13 - The Syrian Renaissance and Post-Despotism State-Building Project
P. 13
لقد رأينا كيف تح ّولت السيادة في سوريا إلى احتكار ،ثم إلى واجهة ،ثم إلى كذبة ،ثم إلى أداة قمع ضد المجتمع باسم
الدولة.
ورأينا كيف صارت الوطنية تُقاس بالولاء للحاكم لا بالانتماء للمصير،
وكيف ت ّم اختزال الانتماء الوطني في الانصياع،
والتعدد في الخيانة،
والاختًلف في التآمر،
حتى صار الشعب غريبًا في دولته،
والمواطن مته ًما في بًلده.
النهضة ،بهذا المعنى ،لا تعني فقط بناء دولة جديدة ،بل تحرير المعنى من الأسر ،واستعادة السيادة إلى أصحابها:
المجتمع.
فًل نهضة في ظل سلطة تحتقر مواطنيها،
ولا سيادة لدولة تُدار من الخارج أو من قلة،
ولا كرامة لمجتمع لا يملك قراره،
ولا بناء بدون إيمان بأن الوطن ليس شيئًا نملكه ،بل معنى نخلقه معاا.
لهذا ،فإن مشروعنا لا يسعى فقط إلى اقتراح شكل حكم ،أو إعادة توزيع سلطة ،بل إلى إعادة تعريف الدولة كأداة في
خدمة المجتمع ،لا كبديل عنه ،ولا كقيد عليه.
فالنهضة في جوهرها فعل سيادة ،والسيادة في جوهرها استعادة المعنى.
.9بهذا نبدأ :سؤال النهضة السورية ما بعد الاستبداد
كل ما قلناه ليس مقدّمة ،بل هو المشروع ذاته في جوهره الأول.
لأن النهضة ،في مفهومنا ،لا تبدأ من الخطط ،بل من السؤال الجذري :كيف ننهض من كل هذا؟ ومن نحن بعد كل هذا؟
سوريا اليوم ليست فقط وط ًنا منكوبًا سياس ًيا أو اقتصاد ًيا ،بل وط ٌن اهت ّزت فيه المعاني ،وتش ّظى فيه الإنسان ،وانكسرت
فيه العلاقة بين المجتمع والدولة ،وتح ّولت السيادة إلى واجه ٍة للهيمنة ،والهوية إلى ساحة تنازع.
ولهذا ،فإن النهضة التي نسعى إليها ليست فقط إعادة بناء لما تهدّم ،بل إعادة تأسيس لما لم يُ ْب َن أصلاا.
ما نبحث عنه ليس استبدال سلطة بسلطة ،ولا إعادة تدوير الهياكل باسم التغيير ،بل نبحث عن نظرية نهضة سورية
خالصة ،تُنتج من وعي التجربة ،وتُصاغ بأدواتنا ،وتُبنى من تحت ،من الناس ،من التاريخ ،من الخسارات ،من
الإمكانات ،من الألم والمعرفة والكرامة.
ولأجل ذلك ،نبدأ من سؤال واحد ،لا يُطرح بسطحية ،ولا يُجاب عليه بخفة:
كيف نُن ِهض هذه البلاد من حطامها ،دون أن نُعيد إنتاج الكارثة؟
كيف نكتب مستقب ًًل لا يُملى علينا ،ولا يُستنسخ ،ولا يُف َرض ،بل يُصاغ بأيدينا ،من داخل وعينا ،وبما هو متاح فعليًا،
وبما يليق بهذا الشعب ،وهذه الأرض؟
بهذا السؤال ،نبدأ.
وبالإيمان بأن سوريا ليست فقط مأساة ،بل وع ٌد لم يكتمل بعد.
13 | P a g e