Page 14 - The Syrian Renaissance and Post-Despotism State-Building Project
P. 14

‫القسم الأول تشريح الانهيار‬
                         ‫من لحظة الاستقلال إلى لحظة الانفجار‬

                                                                       ‫مدخل عام للقسم الأول‪:‬‬

                                                     ‫قبل أن نرسم طريقًا للنهضة‪ ،‬علينا أن نُجيد تشريح الانهيار‪.‬‬
                                                                      ‫فالوعي لا يتولد من الرغبة‪ ،‬بل من الفهم‪،‬‬

                                                 ‫والنهضة لا تنشأ على أنقاض مهجورة‪ ،‬بل على أنقا ٍض مفهومة‪،‬‬
‫ولهذا فإن هذا القسم لا يكتفي بوصف ما جرى في سوريا‪ ،‬بل يسعى إلى تفكيك البنية التي جعلت الانهيار ممكناا‪ ،‬بل‬

                                                                                                       ‫حتمياا‪.‬‬
‫منذ لحظة الاستقًلل في منتصف القرن العشرين‪ ،‬دخلت سوريا في حلقة مفرغة من التعثر السياسي‪ ،‬والتشظي‬
‫الاجتماعي‪ ،‬والجمود المؤسسي‪ ،‬والاستقطاب الإيديولوجي‪ ،‬وكل ذلك على خلفية هشاشة في البناء الوطني لم تُعا َلج‬

                                                                                                 ‫يو ًما بصدق‪.‬‬
                                ‫ثم جاءت الانقًلبات‪ ،‬والتجاذبات الإقليمية‪ ،‬والانحيازيات الدولية‪ ،‬فزاد الأمر تفك ًكا‪.‬‬
‫وجاء البعث‪ ،‬فبد ًلا من إصًلح ما سبق‪ ،‬أعاد إنتاج الدولة بصيغة أمنية–أيديولوجية مغلقة‪ ،‬ألغت المجتمع‪ ،‬واحتكرت‬

                                                   ‫الوطنية‪ ،‬ود ّمرت الحيوية السياسية‪ ،‬وح ّولت المواطن إلى تابع‪.‬‬
                                                            ‫أما حين استلم حافظ الأسد السلطة‪ ،‬فقد ُحسم المسار‪.‬‬

          ‫دخلت البًلد في طور الدولة–الجهاز‪ ،‬حيث لا دولة إلا بما يخدم السلطة‪ ،‬ولا وطن إلا بما يعكس صورتها‪.‬‬
     ‫ومنذ ذلك الحين وحتى انفجار ‪ ،2011‬كانت سوريا تعيش تحت غطاء "الاستقرار"‪ ،‬فيما كانت تنهار من داخلها‪:‬‬

                                                                                     ‫‪ ‬في المؤسسات‪،‬‬
                                                                                        ‫‪ ‬في الإنسان‪،‬‬
                                                                                         ‫‪ ‬في التمثيل‪،‬‬
                                                                                         ‫‪ ‬في العدالة‪،‬‬

                                                                            ‫‪ ‬وفي معنى الدولة نفسها‪.‬‬
  ‫هذا القسم إذًا‪ ،‬لا يرصد الوقائع بوصفها أحداثًا تاريخية فقط‪ ،‬بل يفككها كبُنى أنتجت حاض ًرا مشلو ًلا‪ ،‬ويبحث فيها لا‬

                                                                                     ‫عن الذنب‪ ،‬بل عن الجذر‪.‬‬
                                                                           ‫لأننا إن لم نفهم كيف انهارت سوريا‪،‬‬

                                                                                ‫فلن نعرف كيف تُبنى من جديد‪.‬‬
                                                                                     ‫ولأن الفهم وحده لا يكفي‪،‬‬

                                                                            ‫بل لا بد أن يتح ّول إلى وعيٍ نقدي‪،‬‬
                                                                    ‫يقودنا لا إلى تكرار التاريخ‪ ،‬بل إلى تجاوزه‪.‬‬
                            ‫وهذا ما يسعى إليه هذا القسم‪ :‬أن يجعل من الألم معرفة‪ ،‬ومن الفشل أرضيةً لفجر جديد‪.‬‬

‫‪14 | P a g e‬‬
   9   10   11   12   13   14   15   16   17   18   19