Page 11 - The Syrian Renaissance and Post-Despotism State-Building Project
P. 11
.6الواقع لا الطوباوية :كيف نصوغ نهضتنا من الممكن لا من المتخيل؟
الطريق إلى النهضة ليس حل ًما يُستدعى من الذاكرة الجماعية ،ولا وه ًما ُين َسج من خيوط المثاليات ،بل سي ٌر معرفي في
تضاريس الواقع بكل ما فيه من وعورة ،وتش ٍظ ،وتناقض ،واحتمالات.
فالواقع ليس ما هو قائم فقط ،بل ما هو كامن ،وما يمكن أن يُستخرج ويُعاد ترتيبه وبناؤه وفق منطق الفعل الممكن.
في المقابل ،الطوباوية ليست بالضرورة تخي ًًل جميًلً ،بل انفصا الا عن شروط التحقّق ،وهرو ابا ضمنيًّا من الصدام مع
البنية.
وفي السياق السوري ،كان الخطاب الطوباوي وسيلة للهروب من مواجهة تعقيد الواقع ،بل وتجاهل عمقه البنيوي،
وتاريخه المتراكم ،وتفاعًلته الداخلية والخارجية.
من هنا ،فإننا لا نطرح مشرو ًعا نهضو ًيا على هيئة سردية مثالية ،ولا نبني نموذ ًجا متخ ّيًلً عن دولة بًل بشر ،أو مجتمع
بًل صراعات ،أو تاريخ بًل ُعقد.
بل نؤمن أن النهضة لا تكون إلا حين يلتقي الوعي بالواقع ،ويُستنطق الممكن ،ويُستثمر الكامن ،وتُعاد هندسة العلاقات
والقيم والمؤسسات وفق شروط التاريخ لا رغبات الأيديولوجيا.
و"الممكن" ،في منطقنا ،ليس فقط ما تسمح به اللحظة ،بل ما تستبطنه البنية من قابلية للتحول إذا ما أُديرت أدواته
وأُعيد تشغيل مساراته.
ولذلك ،فإن مشروعنا يبدأ من:
تشخيص ال ُممكنات الكامنة داخل الإنسان السوري رغم الجراح،
واستكشاف ما تبقّى من بنيات قابلة للتنظيف أو البناء عليها،
واسترداد الطاقات المهاجرة أو المه ّمشة،
وتفكيك الفشل لا لتجاوزه فقط ،بل لفهم كيف يُنتج نفسه ،ولمنع تكراره.
لسنا في موقع ال ُمب ّشر بنهضة قادمة كحتمية،
بل في موقع الفاعل النقدي الذي يبحث عن إمكانيات النهضة من داخل الركام ،لا من فوقه،
ويرى في كل لحظة فهم ،لحظة خلق،
وفي كل فه ٍم عميق ،إمكانية للفعل.
بهذا المعنى ،فإننا نرفض اختزال النهضة إلى "مشروع إعمار" أو "خطة تنموية" أو "برنامج سياسي" ،لأنها في
جوهرها ليست هندسة للمكان فقط ،بل إعادة تشكي ٍل للممكن الإنساني داخل هذا المكان.
.7النهضة كمعرفة :بين الوعي والفعل والقدرة
النهضة لا تبدأ عندما نقرر النهوض ،بل عندما ندرك شروطه ،ونفهم طبيعته ،ونعي حدود الممكن ،ونف ّكك أُطر العجز،
ونمتلك القدرة على التحويل .بهذا المعنى ،لا يمكن للنهضة أن تكون فعًلً آليًا نات ًجا عن الإرادة وحدها ،ولا مشرو ًعا
تقنيًا يُفرض من أعلى ،ولا أمنيةً تتج ّسد لأنها جميلة ،بل هي فع ٌل معرفي قبل كل شيء.
المعرفة في مشروعنا ليست تراكم معلومات ،ولا جم ًعا للإحصاءات ،ولا إعادة إنتاج للبيانات.
المعرفة هنا هي:
إعادة صياغة العلاقة بين الذات والواقع،
تحرير الوعي من هيمنة الخطابات الجاهزة،
11 | P a g e